الصناعات التكنولوجية الصينية، هل هي المنافس الجديد؟
كثيراً ما تتردد على مسامعنا عبارة "لا تشتري هذا المنتج فهو صيني"، فهل المنتجات الصينية سيئة بالفعل؟ أم أن ذلك لا يخرج عن إطار الدعاية الإعلامية؟
حتى فترة قريبة، كان اسم المنتج الصيني يترافق مع صفتين أساسيتين: سعر رخيص وجودة سيئة. لكن هذا الاعتقاد الذي ربما كان صحيحاً لفترة طويلة من الزمن، قد أصبح بعيداً للغاية عن الصواب اليوم، فالعملاق الصيني الذي يعد أكبر مصدر للمنتجات في العالم قد انتقل من كونه مكان تصنيع المنتجات المقلدة والرديئة إلى مكان يحوي مجموعة من أكبر الشركات التقنية اليوم، كما أن الصين مسؤولة أصلاً عن تصنيع منتجات الشركات الأجنبية الأخرى.
في سوق الهواتف الذكية بالتحديد، لطالما تمتعت الهواتف الصينية بسمعة سيئة، خصوصاً أنها كانت تواجه شركات كبرى مثل Nokia ونظامها الشبه حصري Symbian OS بالإضافة لـ Apple ونظامها iOS الحصري تماماً، فالمشكلة الأساسية كانت واجهات الاستخدام الحصرية للشركات الأخرى، إلى أن تغير الأمر مع وصول نظام Android المجاني للاستخدام، حيث نمت شركات تقنية عملاقة مثل Huawei وXiaomi وOppo وOnePlus وغيرها.
المركز الصناعي للمنتجات التكنولوجية
من المعروف أن شركة Apple مثلاً هي شركة أمريكية، بينما شركتا Samsung وLG كوريتان جنوبيتان وSony يابانية، لكن هذه الشركات والعديد من الشركات الأخرى لا تصنع أجهزتها ومنتجاتها في بلدانها الأصلية، بل تتم عملية التصنيع بمعظم مراحلها في الصين، لكونها تتمتع بموارد طبيعية كبرى وعمالة رخيصة تتيح للشركات تصنيع منتجاتها بتكلفة أقل وتحقيق أرباح أكبر.
هذه السياسة التصنيعية ليست قديمة تماماً، فحتى عقد مضى كانت معظم الشركات تنتج هواتفها الذكية وحواسيبها المحمولة في بلدانها الأصلية، لكن التكاليف العالية لهذا الأمر من ناحية، وإثبات الصين لنفسها كعملاق صناعي قادر على إنتاج أكثر الأجهزة التقنية تعقيداً بجودة عالية، جعل الشركات تتجه بشكل متزايد لتقليل تكاليف الإنتاج بالاعتماد على الصين. ومع كون الغالبية العظمى من الأجهزة الإلكترونية المتاحة اليوم تصنع في الصين بغض النظر عن جنسية الشركة الأصلية، فالادعاء بأن المنتجات الصينية أقل جودة لم يعد منطقياً بعد الآن.
صناعات صينية كبرى
على الرغم من أن الشركات الصينية لا تمتلك شهرة عالمية تقابل أكبر شركتي هواتف ذكية اليوم: Samsung وApple، إلّا أن الشركات الشهيرة الأخرى مثل HTC وLG وSony وNokia وحتى Microsoft تأتي بعيدة جداً عن المراكز المتقدمة التي باتت تحتلها شركات صينية كبرى مثل Huawei وXiaomi وOppo وLenovo التي تحتل 4 مراكز من أكبر 6 مصنعين للهواتف الذكية في العالم.
هذه الشركات الصينية لم تعد تكتفي بإنتاج هواتف رخيصة فقط أو نسخ مقلدة لهواتف Samsung وApple، بل باتت تصنع هواتف من الفئات العليا كمجموعة هواتف P أو Mate من Huawei ومجموعة Mi من Xiaomi، وهي هواتف من الفئة العليا تباع بأسعار مرتفعة، وتقدم ميزات مذهلة، وفي كثير من الأحيان تنافس هواتف الشركات الأخرى وتتفوق عليها حتى.
تميز الصناعات الصينية في مجال الهواتف الذكية ليس وحيداً، فالشركات التقنية الكبرى في الصين باتت تنتج أجهزة لوحية وساعات ذكية ونظارات واقع افتراضي، كما أن بعضها بات يستثمر المال في مجال الذكاء الصناعي، ويشتري أو يستحوذ حتى على شركات أمريكية وأوروبية، وباتت الشركت الصينية تستثمر في الشركات الأوروبية والأمريكية مالياً بعد النجاح الكبير الذي حققته.
بالإضافة لصناعة الأجهزة الإلكترونية، فالشركات الصينية تقدم صناعة إلكترونية من نوع آخر: خدمات الإنترنت. فمع أن الشركات المشهورة عالمياً بالنسبة للمستخدمين العرب أمريكية غالباً، فالصين تمتلك بعضاً من أكبر شركات الإنترنت في العالم مثل محرك البحث Baidu، وخدمة التواصل الاجتماعي المتكاملة WeChat، ومتجر Alibaba؛ الذي يعد واحداً من أكبر منصات البيع والشراء في العالم اليوم.
شركات صينية جديرة بالاهتمام
كما أسلفنا سابقاً، فالشركات الصينية الكبرى اليوم باتت تسير بجانب الشركات الأخرى جنباً إلى جنب مع منافسة محتدمة معها. هنا سنسلط الضوء على بعض من أهم الشركات الصينية في القطاع التقني:
- Huawei: شركة هواوي هي أكبر مصنع للهواتف الذكية في الصين، وثالث أكبر مصنع عالمياً، مع حصة سوقية تتجاوز 10% من كامل الهواتف الذكية المباعة، كما أنها تخطط لتخطي شركة Apple في حصتها السوقية خلال الأعوام القادمة، ويبدو أنها تسير بخطوات ثابتة نحو هذا الهدف.
تقدم الشركة سلسلة هواتف P، والتي صدر آخر إصداراتها منذ فترة قريبة: Huawei P10 وهي واحدة من أهم سلاسل الهواتف الذكية اليوم، حيث تنافس بقوة أمام هواتف Apple iPhone وSamsung Galaxy S، كما تنتج الشركة هواتف Honor الشهيرة بتقديمها أداء مميزاً بأسعار مخفضة، مع الحفاظ على جودة تصنيع عالية. - Lenovo: يبرز اسم الشركة بشكل كبير في عالم الحواسيب المحمولة، مع كونها واحدة من أكبر منتجي الحواسيب المحمولة في العالم اليوم، حيث تقدم حواسيب مميزة متعددة الاستخدامات، وفي مختلف المجالات، مع جودة عالية وخدمة عملاء مميزة، أفضل من معظم خدمات المنافسين.
الجانب الذي لا يعرف كثيراً عن الشركة هو كونها واحدة من أكبر مصنعي الهواتف الذكية منذ استحواذها على شركة Motorola الشهيرة. فالشركة تنتج هواتفها الذكية تحت علامة Moto، بعدما توقفت عن استخدام اسم Lenovo في هواتفها الذكية. - Tencent: تمتلك هذه الشركة منصة التواصل الاجتماعي WeChat التي تعد الأكبر في الصين مع أكثر من 800 مليون مشترك في خدماتها، فهذه المنصة تجمع كل الخدمات اللازمة للمستخدم تقريباً ضمن نفس التطبيق، حيث أنها قد سبقت Skype وFacebook بأشواط في هذا المجال.
خدمة WeChat تحوي خدمة تواصل اجتماعي مشابهة لتلك الخاصة بـ Facebook، بالإضافة لخدمة مراسلة فورية فعالة للغاية، وحتى خدمات دفع فوري وشراء عبر الإنترنت، واستدعاء تاكسي وحجز مواعيد طيران وغيرها. فهذه الخدمة تجمع العديد من الخدمات الأخرى ضمنها وتمتلك شعبية كبيرة كفاية، بحيث أن المستخدمين في المدن الكبرى مثل شانغهاي وبكين من الممكن أن يعيشوا لأشهر دون أن يضطروا لاستخدام المال الحقيقي، بمجرد الاعتماد على تقنية الدفع الإلكتروني المدمجة في الخدمة. - Alibaba: يعد موقع "علي بابا" الصيني أكبر متجر إلكتروني في العالم، مع مبيعات هائلة في 190 دولة حول العالم، وكون الشركة وحيدة تهيمن على 80% من المبيعات عبر الإنترنت في الصين. يقسم الموقع بشكل أساسي إلى منصة Taobao، التي تتيح البيع والشراء بين المستخدمين العاديين كما منصة eBay الشهيرة، ومنصة AliExpress التي تدار بطريقة مشابهة لموقع Amazon المعروف.
بالإضافة لكون الشركة مهيمنة على قطاع التجارة الإلكترونية على الصعيد العالمي، فخدمة AliPay الخاصة بها تعد واحدة من أفضل خدمات الدفع الإلكتروني في العالم، حيث لا ينافسها من حيث الانتشار سوى الخدمة التي تقدمها WeChat الصينية المنافسة.
لماذا المنتجات الصينية رخيصة إذن؟
مع كون الكثير من المنتجات الصينية -على الأقل تلك المنتجة من قبل الشركات الكبرى- ذات جودة عالية، فمن المستغرب عادة أنها غالباً ما تكون أرخص من غيرها. فعلى الرغم من أن منتجات شركة Huawei مثلاً توازي أسعار الشركات الدولية الأخرى، فمعظم الشركات الأخرى تقدم أسعاراً منافسة، ويعود ذلك إلى حد بعيد للأسباب التالية:
- الشركات الصينية تقوم بكامل عملياتها ضمن الصين، أي أنها تستفيد من العمالة الرخيصة في التصميم والبرمجة ومختلف المجالات الأخرى مما يعطيها أفضلية.
- تعتمد الشركات الصينية على البيع عبر الإنترنت أو عبر موزعين مستقلين، مما يمكنها من توفير المال اللازم لبناء سلاسل كبرى وتشغيلها.
- بدلاً من الإعلانات التلفزيونية والطرق باهظة الثمن حول العالم، فإعلانات الشركات الصينية غالباً ما تكون بميزانيات محدودة وموجهة لفئات محددة.
في النهاية، الشركات الصينية اليوم، كما الشركات في أي بلد آخر، بعضها يقدم منتجات وخدمات سيئة، بينما البعض الآخر يقدم خدمات مميزة وعلى مستوى عالمي ومتفوق، ومع كون الحذر واجباً عند اختيار منتج من أي نوع؛ وبالأخص المنتجات التقنية، فرفض شراء منتجات بسبب بلد المنشأ فقط ليس أمراً حكيماً على الإطلاق!
- [[PropertyDescription]] [[PropertyValue]]